لدخول الإسلام إلى جزر المالديف قصة مثيرة، كشفها عدد من المؤرخين، منهم الرحالة ابن بطوطة الذي وصف تلك الجزر التي زارها وأقام فيها لفترة وقال عنها: "فمجموعة هذه الجزر مستديرة كالحلقة، لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلا منه وإذا وصل المركب إلى المدخل فلا بد من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي بإحداها عند الخروج من الأخرى، فإن أخطأ المركب في سيره لم يمكنه دخولها وحمله الريح إلى خارجها".
وتنقسم جزر المالديف طبيعيًا إلى 13 مجموعة من الجزر تفصل بينها بحار متسعة نسبيا، ولكنها مقسمة سياسيا إلى 19 مجموعة لاعتبارات ارتأتها الحكومة لتسهيل التسيير والإدارة، وجعلت على رأس كل مجموعة حاكما أو محافظا معينا من قبل الحكومة يدير كل شؤونها على الطريقة الكونفيدرالية، ووسيلة المواصلات بين الجزر هي الزوارق البخارية والمراكب والقوارب الشراعية المصنوعة محليا.
و على الرغم من أن المياة المالحة تحيط بها من جميع الجهات إلا أن مياه الشرب فيها التي تستخرج من الآبار هناك مياه عذبة غاية في النقاء لا أثر فيها للملوحة على الإطلاق، ومن تلك المظاهر أيضا أن هذه الجزر لم تتعرض قط لأعاصير ولا عواصف أو أمواج أو غيرها من ثورات الطبيعة.
كان ديانة أهل المالديف هي البوذية أو الوثنية فإنها بعد دخول الإسلام فيها أصبح جميع سكانها من المسلمين دون استثناء، ليصبح بذلك الدين الرسمي لجزر المالديف هو الإسلام حيت تقدر نسبة المسلمين فيها حسب الإحصائيات التعدادية الدولية 100%، وينص الدستور على أن جميع المواطنين يجب أن يكونوا مسلمين، ولا يمكن لأي غير مسلم أن يصبح مواطنًا بحسب المادة 9.
وتنص المادة الثانية على أن الجمهورية مؤسسة على مبادئ الإسلام وتنص المادة 10 على أنه لن يطبق أي قانون ضد مبادئ الإسلام يمكن أن يطبق في البلاد. وتنص المادة 19 ان المواطنين حرين في أن يشاركوا أو يمارسوا أي نشاط لم يتم تحريمه في الشريعة أو القانون. ويتمسك معظم المالديفيين بتعاليم دينهم ويظهر ذلك في احتفالاتهم الدينية الرسمية.
قصة عفريت
جزر المالديف التي يبلغ عددها 1190 جزيرة، دخلها الإسلام على يد رحالة مغربي مسلم اسمه أبو البركات يوسف البربري المغربي، كان داعيًا إلى الله ويحفظ القرآن، وله قصة عجيبة مع أهلها حتى دخولهم الإسلام، وقد عاش ومات هناك وبيته الذي سكنه وقبره موجودان في جزر المالديف ويتم زيارتهما حتى اليوم.
تلك القصة رواها الرحالة ابن بطوطة في كتابه "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" على لسان أهل جزر المالديف، الثقات كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم حدّثوا وأحدهم ممن تولى القضاء بهذه الجزر مدة، فيقول:
"حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم، أن أهل هذه الجزائر كانوا كفارًا، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن، يأتي ناحية البحر، كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكرًا فزينوها وأدخلوها إلى "بدخانة". وهي بيت الأصنام، وكان مبنيًا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته.
ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظاً للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل، فدخل عليها يومًا، وقد جمعت أهلها، وهن يبكين كأنهن في مأتم. فاستفهمهن عن شأنهن، فلم يفهمنه. فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت واحدة، يقتلها العفريت.
فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عوضًا عن بنتك بالليل. وكان سناطًا، لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى "بدخانة"، وهو متوضئ. وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من الطاق، فداوم التلاوة، فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر. وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله.
فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو، فمضوا به إلى ملكهم، وكان يسمى شنورازة (بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء والف وزاي وهاء)، وأعلموه بخبره، فعجب.
وعرض المغربي عليه الإسلام، ورغبه فيه. فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك، ونجوت من العفريت أسلمت. فأقام عندهم.
وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته. ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى "بدخانة"، ولم يأت العفريت، فجعل يتلو حتى الصباح. وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا "بدخانة"، وأسلم أهل الجزيرة، وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها.
وأقام أبو البركات المغربي عندهم معظمًا، وتمذهبوا بمذهبه، مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وهو مذهب أهل المغرب. وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجدًا هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشًا في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم". اهـ
ويضيف ابن بطوطة قصته مع أهل هذه الجزيرة في أحد الأيام فيقول: "وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام. ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه. فبينا أنا ذات ليلة في بعض شأني، إذ سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير، ورأيت الأولاد وعلى رؤوسهم المصاحف، والنساء يضربن في الطسوت وأواني النحاس. فعجبت من فعلهم، وقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا تنظر إلى البحر؟ فنظرت فإذا مثل المركب الكبير، وكأنه مملوء سرجًا ومشاعل. فقالوا: ذلك العفريت، وعادته أن يظهر مرةً في الشهر. فإذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا".
وأشرف أبو البركات على بناء عشرات المساجد في شتى الجزر، وقام بنفسه يعلم الناس أحكام الإسلام، ولا يزال منزل أبي البركات البربري بجزيرة كندهو وسط جمهورية المالديف سليما كما بناه،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق