أما إذا كان المبيع مما ينضبط بالوصف ، ويغلب على الظن وجوده في وقت التسليم ، فتبايعا على أن يوفر له المبيع في موعده ، فهذا هو بيع السلم ، وهو جائز بالكتاب والسنة وعلى ذلك عامة علماء المسلمين .
أما الكتاب فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) البقرة/282
قال ابن عباس : " أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه ، وأذن فيه ) ، ثم قرأ : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم ) البقرة/282 ".
أخرجه الشافعى (1314) ، والحاكم (2/286) ، والبيهقى (6/18) وقال الألباني عن سنده : صحيح على شرط مسلم . "إرواء الغليل" (5/213) .
وأما السنة فما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: ( مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) رواه البخاري (2240) ، ومسلم (4202) .
قال ابن حجر رحمه الله : " واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكي عن ابن المسيب " .
انتهى من " فتح الباري " (7/76) .
علما بأن انعدام السلعة وعدم وجودها وقت العقد في بيع السلم غير مؤثر في صحة البيع ، لأن بيع السلم ليس بيعا لسلعة معينة (كسيارة معينة) ، وإنما هو بيع لسيارة تتوفر فيها الصفات المتفق علها بين البائع والمشتري ، فمتى جاءه بسيارة تتوفر فيها هذه الصفات ، فقد أدى ما عليه ، ووفَّى بالتزامه .
ولذلك لم يشترط العلماء لجواز بيع السلم ، وجود السلعة في ملك البائع وقت البيع ، وإنما اشترطوا أن يغلب على ظنه وجودها عند حلول الأجل .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا السَّلَمُ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، تَوَهَّمَ دُخُولَهُ تَحْتَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) فَإِنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ، وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ مِنْهُ .
وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ بَيْعٌ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ ، مَوْصُوفٌ ، مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ غَالِبًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق